طُرِدْتُ باكرًا من جنّة النوم السريع | شعر

Panpixel

 

جحيم

طُرِدْنا من الماء

طُرِدْنا من النار

نحن المولودون في الجحيم

الزارعون شجره

لا حقّ لنا في الوصول

إلى حجارته الساخنة

نعمل بصمتٍ في الأسفل

نبرّد بأجسادنا الصخور

ونرمي التماثيل المصقولة

إلى أعلى

كي يلتقطها أشقّاؤنا العابرون

 

 

وصول

تأخّرتِ في الوصول ذلك اليوم

ثمّ ظهرتِ

بعد أن انشطرتِ الأشياء

عن صورها

ركضتِ نحوي

عانقتِني دون أن تنظري

وتعرّفتِ عليّ بين ذراعيكِ

اصطدمتْ نظراتنا حين نقلتِني

إلى جانبكِ الآخر

فأفلتتِ الشجرة ثمرتها الناضجة

وسمعنا ارتطامها

في تراب كتفك

 

 

شَعْرُكِ حول كوكبة الفرس

الصحراء تتواشج أمامنا

شَعْرُكِ يلتفّ حول كوكبة الفرس

يرحل من نجمةٍ إلى أخرى

ويستريح ضبابًا على القمر

طيور الليل تلقي علينا نوافذَ حجريّةً

لا نفلح بإمساكها

الرمل يضرب طبله الأصلع في عيوننا

الرمل يلتهم لسان الراحلة فلا تشير علينا

أن نحمل عليها المتاع

شَعْرُكِ يكمل رحلته في الغيب

يعود بجرارٍ ناقصةٍ كلّ مرّة

يعود برملٍ رماديٍّ يقايض به دماء ناقتنا

طيور الليل تلقي علينا نوافذ حجريّةً

وحده شَعْرُكِ يجيد إمساكها

 

 

منذورةٌ للرياح

لا تقوى المحطّات على صفيرها

إلّا حين تستعير حنجرتكِ
 

أنتِ منذورةٌ للكمائن

لقبائل بدّلت راياتها بالغضى

تتبرّجين بجري ألف جوادٍ من غَبَش

تحملين مرايا على ظهركِ

لتصنعي من رملها عيوننا

وحين نمدّ أجسادنا كي نرى

لا نبصر في المياه وجهنا
 

أنتِ منذورةٌ للرياح

رأيتكِ تحقبين الهواء

تطوين المسافات بين النجوم

كشالاتنا في الربيع

رأيتكِ تنشرين سدول الموج على الأغصان

ليجفّ من يد الغريق
 

أنتِ حارسة المنارات الشاهقات

خازنة زيت سفنٍ لا تسافر في النهار

تبحرين عاقدةً حول مرساةٍ في عنقك

نهرًا ترمي فيه طفولتنا عرائسها

تنقشين في الأشرعة دوار ’السّيرينات‘

فيفكّ الملتصق الوثاق
 

أنتِ منذورةٌ للفصول

تزرعين أشجارًا بلا أصابع

تغزّين دبابيس شَعْرِكِ في أسنمة السحائب

كي تمطر على خطواتك

وحين يتفتّق جرحٌ في الزرقة

نعلّق أصابعنا على الأغصان

أنتِ منذورةٌ للكمائن

تولدين في الأسرّة تحت دخان القطارات

تبيعين المحطّات مناديل العيون

لتؤطّر بالتلويح النوافذ

 

 

طائر وقواقٍ أنا

وضعتْني أمّي ليلًا بيضةً في عشّ غريبَين.

سرقتْ بيضةً كي توهم الزوجين أنّي ثمرة عناقهما، وهربتْ تاركةً قشرتي الرقيقة لريشٍ أجنبيّ.

خلعتُ معطف الكلس حولي بلهفة طفل إسكيمو يخلع عنه فراء الرنّة أمام الربيع، خلعتُه قب أن تفقص بيوض إخوتي، كي أرمي بهم من العشّ سامعًا صرخاتهم في الماء.

والداي- اللّذان لم أعرف اسميهما- كانا يلهثان كي يطعماني من وقت ولادة الطائر المشتعل في السماء، إلى رماد ريشاته.

كنتُ فرخًا أكبر حجمًا من أبويه، كأنّه كيسٌ فارغٌ ينتفخ بغياب الأمّ، كنتُ فرخًا شرهًا يتنكّر بنبض الزغب في قلب ظبيٍ حاصره في البرزخ ألف مخلب.

وحين اكتمل جناحاي دون أن ينتبه أبي وأمّي اللّذان لم ينجبا غيري، خضتُ موجة قمرٍ ريشيٍّ قرعته الغابة العميقة.

 

 

الآلة

دماغي آلةٌ هوجاء، لا تترك ظلًّا يغمز بهدبه إلّا وتمضغه. ميزانٌ يزن الزلازل تثقله أجنحة ملكة النِّمال قبل العشّ. طاحونة هواءٍ لا تكفّ عن الدوران ولو ثبّت زمرّدته في حنجرتها البحر.

دماغي سيّد جسدي، يرنّ العظام في عمودي الفقريّ، كي يهرع النادل بقطع اللحم تحت صدري. يحرّك خيوطي الرفيعة كالأوتار، كي يوهمني أنّ الدمية الراقصة تطرب لعزف يدي.

دماغي قطعة فحمٍ تحت لساني، تقفز كلّما حاولتُ الكتابة، لتشعل البياض المتكدّس ككثبان ملحٍ تعيق الزورق عن الغرق، تشعله فيتكاثر في الهواء ويصبغ أثواب الأشياء بأدخنة الحياد.

 

 

ساعات قبل النوم                
تجلدني ساعات قبل النوم. طُرِدْتُ باكرًا من جنّة النوم السريع.  لا عمل لي في البندول الأزرق، سوى التأمّل في جناح بعوضةٍ، أمّن لها دمي كسلي الّذي أمسكني عن تحريك ذراعي، لا عمل يربط سيوره الحديديّة حول مدخنته، يُدْخِلُ أطرافها في ثقوب حذائي، ويشدّ الهائم في فقاعةٍ ينفخها الطفل الّذي كان.

تجلدني ساعات قبل النوم. يتبارز الوحوش والأطفال فوق لحافي في رتقٍ يحرسه ملاكٌ مستذئبٌ، يتبارزون بسيوفٍ من حديد ذاكرةٍ يسكّ بعضه بعضًا كلّما اهتزّ حبل الكوكب، لتفوز الجثّة فيهم بجسدي.

تجلدني ساعات قبل النوم. يختلط العشب والعظم عليّ، تزورني الريح بعكّازٍ من الأغصان، تفرّ الأفكار من حجارتي بنوافذَ تحت الأذرع، وأكون وجهًا يحدّق في عينيه تصيران وهجًا يضيء ما لا يوجد.

 


 

أمير حمد

 

 

وُلِدَ في القدس ويقيم فيها. درس بكالوريوس علم الحاسوب من «جامعة بيرزيت». حصلتْ مجموعته القصصيّة الأولى «جيجي وأرنب علي»، وكذلك مجموعته الشعريّة الأولى «بحثت عن مفاتيحهم في الأقفال»، على جائزتَي «مسابقة الكاتب الشابّ» (2019)، الّتي نظّمتها «مؤسّسة عبد المحسن القطّان».